صعود آسيا- نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يلوح في الأفق؟

المؤلف: كمال أوزتورك09.05.2025
صعود آسيا- نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يلوح في الأفق؟

على غير المتوقع، لم تستضف شنغهاي الصينية الاجتماع الختامي لمنظمة شنغهاي للتعاون، بل احتضنته تيانجين الساحلية.

هذا التحول لم يكن اعتباطيًا، فتيانجين، بموقعها كميناء حيوي مشرع على العالم، تعتبر البوابة الرئيسية لمبادرة الحزام والطريق، ومن خلال هذا الاختيار، أرادت الصين إيصال رسالة جلية.

إلا أن الرسائل الصينية لا تنحصر في اختيار المدينة المضيفة، فالتقارب الوثيق بين روسيا والهند والصين، والتأكيدات القوية في البيان الختامي، كلها دلائل بارزة على طموح آسيوي نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب.

هذا الاجتماع، الذي انعقد في رحاب الصين، حظي باهتمام عالمي واسع، كونه يمثل ردًا على الاستراتيجية الأمريكية المتسمة بالعدوانية والاندفاع، وتراجع النفوذ الأوروبي، والسياسات الغربية التي تسعى لعزل روسيا.

وإذا تفحصنا الفوضى التي أحدثها النظام العالمي الذي تهيمن عليه القوى الغربية، قد نعتبر ظهور مركز قوة جديد في آسيا بمثابة عنصر استقرار وتوازن للعالم.

في ثنايا البيان الختامي، أثار الحديث عن التوجه نحو كيان تنموي، اقتصادي وأمني، احتمالية بزوغ قطب عالمي جديد. كما أثار إعجابي الدور الفعال والحيوي الذي تلعبه الهند، حيث تم اعتماد رؤيتها رسميًا تحت شعار "عالم واحد، عائلة واحدة، مستقبل واحد".

وبالرغم من التساؤلات حول ما إذا كانت الهند تعتبر باكستان والأقليات المسلمة جزءًا من هذه "العائلة"، إلا أن قبول اقتراحها كان أمرًا يستحق التنويه.

وقد تصدرت صور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بابتسامته العريضة وتقربه المفرط من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، الصفحات الأولى في الصحف العالمية.

هل ستندمج مع البريكس؟

لا يمكن النظر إلى منظمة شنغهاي للتعاون بمعزل عن تحالف البريكس (BRICS)، الذي يمثل مركزًا للدول الآسيوية. ففي المستقبل القريب، قد تشهد الساحة العالمية توحيد هاتين المنظمتين في كيان واحد.

لقد تأسست هذه المنظمات في الأساس على أساس التعاون الاقتصادي المتبادل، ولكنها بدأت هذا العام بالانخراط في قضايا أوسع نطاقًا، حيث تم رفض منطق الحرب الباردة، وسياسات الاستقطاب، والإجراءات القسرية، وتم التأكيد على مبادئ العدالة والتعددية، ودعم نظام التجارة متعدد الأطراف المرتبط بمنظمة التجارة العالمية (WTO).

كما تم اتخاذ قرارات لتعزيز التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن. أما قرار إنشاء بنك تنموي، فسيجعل من هذا الكيان قوة جاذبة إضافية.

وبقراءة هذه التطورات المتسارعة، يمكننا توقع نشوء مركز قوة بديل للتكتل الغربي، بقيادة الصين في قلب آسيا.

قوة اقتصادية وطاقوية كبرى

إذا القينا نظرة فاحصة على الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، ندرك أن هذا التجمع يمثل قوة اقتصادية هائلة، ومصدرًا طاقويًا حيويًا، بل وحتى قوة عسكرية لا يستهان بها.

فالمنظمة تضم في عضويتها دولًا لها وزنها مثل: الصين، روسيا، الهند، باكستان، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان، وإيران. بالإضافة إلى 4 دول بصفة مراقب هي: أفغانستان، بيلاروسيا، منغوليا، وسريلانكا، و6 دول بصفة شركاء الحوار وهي: أذربيجان، ألبانيا، كمبوديا، نيبال، تركيا، وقطر.

إن مجرد الشراكة الاستراتيجية بين الصين، والهند، وروسيا كفيل بإحداث تحولات جذرية في موازين القوى العالمية.

وفي قطاع الطاقة، تبرز إيران، وكازاخستان، وأوزبكستان، وقطر، وأذربيجان، كلاعبين أساسيين ومؤثرين في سوق الطاقة العالمي.

وعلى الصعيد العسكري، تُعد روسيا، والصين، وباكستان، وتركيا من بين أقوى الدول في العالم.

باختصار، من أي زاوية نظرنا، فإن هذا التكتل يمتلك المقومات اللازمة ليكون مركزًا بديلًا في مجالات الاقتصاد، والطاقة، والأمن، والتجارة الدولية.

بوتين لا يزال في صعود

عندما التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا في لقاء اتسم بالاستعراض، أثار ذلك غضبًا عارمًا في أوساط الدول الأوروبية.

لكن لا شك أن الاجتماع الأخير في الصين قد زاد من قلقهم. فبالرغم من جهودهم الحثيثة لعزل روسيا وبوتين وفرض العقوبات القاسية عليهما، إلا أنهم لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم.

وقد أظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ، في كل مناسبة سانحة، الأهمية القصوى التي يوليها للعلاقات مع بوتين. أما الصور الجماعية التي جمعت بين مودي وشي وبوتين، فقد بدت وكأنها رسالة واضحة للقادة الأوروبيين: "لتشتعل نار الغيرة في قلوبكم!".

ورغم أن بوتين قد انخرط في حرب طاحنة في أوكرانيا وأنهكت قواه، إلا أنه لم يستسلم كما كانت تأمل أوروبا، وها هو يتعافى تدريجيًا.

ولكن على روسيا أن تدرك أيضًا حقيقة أن بوتين بدأ يظهر في صورة "اللاعب الثانوي" الذي تتنافس كل من الصين والولايات المتحدة على استقطابه نحو معسكرها. أي أنه لم يعد قوة عظمى، بل تحول إلى قوة مساندة. وهذا يعني، بالنسبة لروسيا، تراجعًا في مكانتها وهيبتها على الساحة الدولية.

تركيا تريد أن تكون جسرا

تركيا، العضو الفاعل في حلف الناتو، وأحد أهم حلفاء الولايات المتحدة، والمرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ أمد بعيد، تعرب منذ سنوات عن رغبتها الجادة في الانضمام الكامل إلى كل من منظمة شنغهاي للتعاون وتحالف البريكس.

وقد تجسدت هذه الرغبة الملحة منذ اللحظة التي بدأت فيها تركيا تواجه خلافات عميقة مع الولايات المتحدة، ومع تعليق المفاوضات المتعلقة بانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وفترات الحصار الاقتصادي غير المعلن.

ومنذ ذلك الحين، عززت تركيا علاقاتها مع هذه المنظمات، وبدأت تثير تساؤلات جوهرية من قبيل: "هل تركيا بصدد تغيير تحالفاتها الاستراتيجية؟"

لكن تركيا لا تسعى إلى استبدال حلفائها، بل تهدف إلى تنويع علاقاتها وتوسيعها، وتسعى جاهدة لأداء دور الجسر الحيوي بين آسيا وأوروبا، مستغلة موقعها الجغرافي الفريد الذي يربط بين القارتين.

صحيح أن القيام بهذا الدور ليس بالأمر الهين في ظل السياسات العدائية التي تنتهجها الولايات المتحدة ضد الصين، ولكن تركيا لا ترغب في الاعتماد على طرف واحد فقط.

إن الاجتماع الأخير الذي استضافته مدينة تيانجين سيشكل بداية حقبة جديدة ستثير الكثير من النقاش والجدل في الأيام القادمة.

ويبقى أن نرى ما الذي سيصدر عن الرئيس ترامب بشأن هذا الاجتماع الذي خطف الأضواء من حوله، وهو يعبّر عن استيائه كعادته.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة